مرحبا أصدقائي أرى عيونكم تلمع شوقًا لقصصي الجميل، وسأختار لكم منها قصة طريفة ظريفة، فيها فوائدُ كثيرة، وهي تدور حول قيمة التعاون؛ فالإسلام يحبُّنا متعاونين، ويرغبنا في ذلك، ويحثنا عليه، ولا تنسو متابعتنا على موقعنا قصص وحكايات كل يوم للمزيد من قصص الاطفال الدينية .
هل تعلمون يا أحبابي أن أول عمل قام به النبي في المدينة هو بناء مسجده الشريف، وقد تم بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتَّعاوُن؟
إِي والله، بُنِيَ بالتعاون!
ولأقُصَّ عليكم قصة ذلك من البداية:
خرجنا من مكة في الهجرة قاصدين إلى المدينة، كان أبو بكر الصديق قد أعدَّ راحلتين؛ واحدة له، والأخرى لنبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأجل الهجرة عليهما، وأعلَمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأن راحلته هديَّة، لكنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رفض أن يأخذها إلا شراءً بالثمن، فدفع ثمنَها لأبي بكر وأخذها، وهكذا يا أحباب ركب أبو بكر واحدة، وركب نبيُّنا الأخرى، وهذه التي ركِبَها النبي هي أنا، ناقته القصواء، ومن يومها لم أفارقْه صلى الله عليه وسلم حتى رحل عن الدنيا.
مضينا في طريق الهجرة حتى وصلنا المدينة بعد أيام وليالٍ، وفي المدينة كان المسلمون ينتظرون وصول النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه وسلَّموا عليه، كان كل واحد منهم يرغب أن ينزل النبي ضيفًا عليه، يجلس في بيته؛ فيستريح ويأكل ويشرب، وكانوا جميعًا كُرماء شديدي الكرم.
كان النبي يمضي في طريقه، والناس يُمسكون بزمامي يريدون أن أقف، وأن ينزل النبي ضيفًا عندهم، فكان يقول لهم: ((دعوها؛ فإنها مأمورة))!
لقد كان يُمضى بي إلى غايتي، وأُساق إلى هدفي، إلى أن مررنا بدار بني مالك بن النجار، فبرَكت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم اليوم، وهو يومئذٍ مكان خرِبٌ يملكه غلامان؛ اسمهما سهل وسهيل، وكان فيه نخل، ومكان تبيت فيه الأغنام.
في هذا المكان توقفت، ثم بركت؛ لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقي على ظهري ولم ينزل، فقمت ومشيت غير بعيد، ولم يثنني صلى الله عليه وسلم، ثم التفتُّ خلفي، ورجعت إلى مكاني الأول، فبَرَكت واستقر بي المقام، فنزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عني.
وجاء أبو أيوبَ الأنصاريُّ فحمل أمتعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشياءه، وذهب بها إلى داره، فنزل رسول الله ضيفًا عليه، وهناك سأل عن المكان الذي توقفنا فيه، وأراد أن يتخذه مسجدًا؛ فاشتراه من بني النجار بعد أن وهبوه له دون ثمن، فأبى قَبوله.
دفع النبي صلى الله عليه وسلم ثمن المكان، وأخبَر الصحابة رضوان الله عليهم بأنَّه سيبنيه مسجدًا، وفرح الصحابة فرحًا كبيرًا، وبدؤوا في التعاون لتنظيف المكان، وبناء المسجد.
ويا لله للعجبِ من هذه الروح التي كانت تجمعهم، والألفة التي كانت تربط بينهم، والتعاون الذي جعلهم كرجل واحد، تساعده رِجلاه ويداه وسائر أعضائه!
لقد كانوا كثيرين في العدد؛ لكنهم في العمل كأنهم واحد يساعد بعضهم بعضًا، ويعاون بعضهم بعضًا.
كان بعضهم يقلع الحشائش من الأرض، ومن ورائهم آخرون يحملونها إلى خارج المكان، وغيرهم يحملها على ناقته أو فرسه إلى خارج المدينة، ثم قاموا بتنظيف المكان، وتجريفه وحفره، وزرعوا جذوعَ النخل أعمدةً يقوم عليها البناء، وبينها بنوا الجدران من الحجارة، وفوقها وضعوا السَّقْف من الجريد.
لقد ساهم الجميع في بناء المسجد، وساهم نبيُّنا صلى الله عليه وسلم في بنائه بنفسه، فكان ينقُل اللبِن والحجارة، ويقول:
اللهم لا عيش إلا عيشُ الآخرهْ *** فاغفر للأنصار والمهاجِرهْ
وكان يقول:
هذا الحِمالُ لا حِمالُ خيبرْ *** هذا أبرُّ ربَّنا وأطهرْ
وكان عمله صلى الله عليه وسلم مما يزيد نشاطَ الصحابة في البناء؛ حتى إنَّ أحدَهم ليقول:
لئن قعدنا والنبيُّ يعملُ *** لذاك منَّا العملُ المضللُ
وقد عمل المسلمون جميعُهم في المسجد؛ حسبةً لله عز وجل، لم يتقاضوا على عملهم أجرًا.
وهكذا تمَّ بناءُ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعاون، والتَّآخي، والمساهمة؛ فالتعاون خُلُق إسلاميٌّ أصيل.
وفي هذه القصة يا أحبابي فوائد عظيمة؛ منها أنَّ:
♦ الإسلام العظيم يؤلِّف بين قلوب النَّاس، ويجعلهم إخوة متحابِّين.
♦ التعاون قيمة إسلاميَّة عظيمة.
♦ لا يستكبر المسلمُ أن يساعد أخاه المسلم في العمل النافع متى وجد الوقت والقوة لذلك، ولنا في رسول الله أسوةٌ حسنة.